شهدت الانتخابات البلدية الأخيرة للدنمارك أحداثاً كبيرة قلبت الكثير من الموازين،
منها ارتفاع حصّة التحالف اليساري «تحالف الحمر-الخضر De Rød-Grønne» أو
«قائمة الوحدة» من الأصوات بشكل كبير، ليصبح التحالف الأكبر في كوبنهاغن.
عنى ذلك أنّ سياسات الاشتراكيين الديمقراطيين المعادية للاجئين لم تنفعهم في
الانتخابات كثيراً.
فكيف تمكن تحالف دنماركي يساري صغير من تحقيق هذه النقلة؟
أكثر بـ 6%
حقق تحالف الحمر-الخضر انتصاراً هاماً على حزب الاشتراكيين الديمقراطيين الذين
يقودون الحكومة الوطنية.
في بلدية فريدركسبير Frederiksberg المجاورة للعاصمة، هزم تحالف الحمر-
الخضر الاشتراكيين الديمقراطيين بنسبة تجاوز 6%.
ورغم أنّه لم يحز أصواتاً تكفي للفوز بمكتب عمدة كوبنهاغن، فقد حقق اختراقاً
كبيراً بأن أصبح التحالف الأكبر في العاصمة الدنماركية، بتحقيقه 24.6% من
الأصوات.
هذه المرّة الأولى منذ أكثر من قرن، التي لا يتصدر فيها الحزب الاشتراكي
الديمقراطي الانتخابات. وقد حاول الاشتراكيون الديمقراطيون هذه المرة أن
يتحالفوا مع الأحزاب الأخرى لإبقاء تحالف الحمر-الخضر خارجاً، لكنّهم لم ينجحوا في
ذلك.
أزمة الإسكان
رغم أنّ كوبنهاغن لا تعاني من أزمة سكن حادة مثل الموجودة في لندن أو نيويورك كمثال، فقد كانت مسألة الإسكان في أعلى اهتمامات الناخبين الدنماركيين. فشراء الشقق من قبل الشركات الأجنبية التي تضارب عليها، وارتفاع الإيجارات المتزامن مع رواتب راكدة، أدخل الكثيرين في ظروف معاشية صعبة، وأشعرهم بالضيق وفقدان السيطرة.
انتقد تحالف الحمر-الخضر خطط التنمية الموجودة وعدم كفاية المساكن العامة في كوبنهاغن، وتدمير الوحدات العامة أو خصخصتها، وطالب بالمزيد من المساكن العامة. وكان حاداً في مهاجمة خطط حزب الاشتراكي الديمقراطي في بناء مساكن باهظة في المدينة وفي الجزيرة الاصطناعية، وبأنّها لن تخفض أسعار المساكن.
اقترح عوضاً عن ذلك وضع حدّ أعلى للإيجارات (سقف)، وتشريعات إيجارية للأبنية الجديدة، بحيث تكون 75% من المساكن مقبولة الإيجارات. تمكن بذلك من جذب شباب الطبقة الوسطى والفقيرة الذين يعانون من نقص الأمان في السكن.
مسألة المهاجرين
يبرر المدافعون عن حزب الاشتراكيين الديمقراطيين الدنماركي ميله نحو تبني مواقف اليمين المعادية للمهاجرين عادة بأنّه يريد منع اليمين من تولي السلطة. لكنّ ناخبي الحزب يشعرون بتخييب أملهم بشكل متزايد (يرى البعض بأنّ الأمر ذاته يحدث في السويد بوتيرة أبطء).
أظهرت نتائج الانتخابات في كوبنهاغن أنّ حسابات الاشتراكيين الديمقراطيين خاطئة، وأنّهم دفعوا ثمن قرار إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.
وكما علّق ياكوب روغارد، استراتيجي تحالف الحمر-الخضر في كوبنهاغن، يبدو أن هناك رد فعل عنيف ضد الاشتراكيين الديمقراطيين بسبب اصطفافهم مع اليمين، حيث حاولوا وضع الناس من الطبقة العاملة والوسطى في المدن ضدّ بعضهم.
لم يقرأ الذين اختاروا الوقوف لجانب اليمين، تنامي التعاطف مع المهاجرين ضدّ القسوة التي تحاول الحكومات ممارستها عليهم، مثل رفض قارب الدورية الدنماركي الأوامر بإعادة المهاجرين الذين قاموا بإنقاذهم بالقرب من السواحل اليونانية.
قضايا شعبية
دعم تحالف الحمر-الخضر إضراب الممرضات، والذي كان تعبيراً عن ملل القطاع الصحي من الإجراءات الحكومية غير المرنة بحقه، بحيث تلا رفض النقابات التصويت على نتائج المفاوضات.
جعل هذا تحالف الحمر-الخضر يقترب أكثر من قواعده ويكون وفياً لما يجاهر به من سياسات.
كما انضمّ إلى حملات النسويات التي سلطت الضوء على مدى التفاوت في الأجور بين النساء والرجال، والتي طالبت بالتعامل بحزم من أجل تحقيق التكافؤ في الرواتب في المهن الطبية التي يوجد فيها نسبة ذكور أعلى بكثير.
أشارت الاستطلاعات إلى أنّ الذين ينضمون للمشاركة في الإضرابات بشكل عفوي هم من حزب الحمر-الخضر مع عائلاتهم، بعد أن كان الاشتراكيون الديمقراطيون في السابق هم من يفعلون ذلك.
ساعد التحالف على تحقيقه نتائجه الجيدة وجود قاعدة متنوعة في صفوفه: ممرضات ومدرسين وناشطي مناخ شباب، ونسويات …الخ.
مستقبل حزب الحمر-الخضر
وفقاً لبعض الناشطين، حاول الحزب الاشتراكي الديمقراطي مهاجمة تحالف الحمر-الخضر عبر اتهامه بأنّه «يريد تحويل كوبنهاغن إلى الاتحاد السوفييتي». أدرك كثيرون بأنّ مثل هذا النوع من الهجوم الذي لا يستند على الحجج والبرامج العملية، عكس تراجع الاشتراكيين الديمقراطيين وخوائهم.
ورغم أنّه لا يزال من المبكر الحديث عمّا إذا كانت انتخابات 16 نوفمبر/تشرين الثاني في الدنمارك تعني تثبيت اتجاه جديد أم لا، فمن المؤكد أنّ ارتفاع أصوات تحالف الحمر-الخضر بنسبة 12% على الصعيد الوطني، يعني شيئاً ما.
الأزمات المتتالية
في وجه أزمات الصحة العامة المتتالية، وعدم القدرة على اتخاذ تدابير تحافظ على المناخ ولا تؤثر على الناس العاديين، بات مشهد الانتخابات السياسية في كامل أوروبا متغيراً بشكل كبير.
بدأت الأحزاب اليسارية الصغيرة تأخذ زخماً انتخابياً أكبر، مثل «حزب العمال البلجيكي» الذي حقق نجاحات إقليمية كبيرة، أو «حزب اليسار» في السويد الذي فرض احترامه بحيث لم تتمكن أندرسون من تشكيل حكومتها دون موافقته، أو «حزب اليسار الاشتراكي» النرويجي.